21 سبتمبر، 2024 - 6:23 م

بين جنة ” العزبى ” و ناره !!

                              بقلم …. فهمي عنبة

بختام معرض الكتاب .. تنتهى أيام “عيد الثقافة ” رقم 53 الذى يتجدد سنويا مع المعرض .. وهو موسم القراءة والفكر والأدب والعلوم والفنون .

شهد المعرض العديد من الندوات والأنشطة وإقبالا من الجماهير خاصة الشباب والأطفال مما يعيد الأمل فى أن المستقبل سيشهد عودة الإقبال على القراءة التى تراجعت كثيراً.

شهد المعرض عناوين لإصـدارات جديدة فى مختلف المـجـالات .. من بينها كتاب ” هـل يدخل الصحفيون الجنة ؟! ” لأستاذ الأجيال الكاتب الصحفى الكبير محمد العزبى رئيس تحرير جريدة ” الاجيبشيان جـازيـت ” السابق الــذى يجذبك عنوانه ويجبرك الفضول على مد يدك لشرائه وقراءته !! .

كثيرون هم من لم يـأخـذوا حقهم رغـم انهم من عشاق ” صاحبة الجلالة ” ومسحوا ” بلاطها ” وضحوا من أجل أن تصل كلمة الحق للقارئ .. ودافعوا عن المهنة .. ولكن عزاءهم ان الجميع يعرفون قدرهم .. وكان الأستاذ ” محمد العزبي” على رأس هؤلاء .. ومن لم يقرأ له فاته الكثير .. ومن لم يعرفه فاته أكثر !!.

.. والعزبى ” أطال الله فى عمره ومتعة بالصحة ” لمن لا يعرفه .. رجل متصالح مع نفسه ومع الدنيا.. ومع من أرادوا قصف قلمه .. وراضٍ بقضاء الله حتى لو قست عليه الأيــام وأخــذت منه ابنه وحبيبه وسنده الـذى يتوكأ عليه فى شيخوخته ويرى الدنيا بعينيه بعد أن ضعف نظره .. ويقابل الشدائد والصعاب ويتغلب عليها بالسخرية و” النكتة ” فهو أحد ظرفاء هذا العصر بلا جدال .

سامحك الله يا استاذ على ما فعله بى كتابك الرائع وأسلوبك البديع .. فقد أمسكت بالعدسة المُكبرة بالإضافة إلى النظارة و بدأت بعد صلاة العشاء أقلب الصفحات على أن أقرأ الكتاب براحتى على عدة أيام حيث سمح لى الطبيب بالقراءة لمدة ساعة واحدة فقط يومياً بعد ٣ عمليات فى العينين .. وإذا بى اتوه مع الكلمات واتنقل بين الصفحات ” ٢٨٢ صفحة ” وأفكر فيما بين السطور وأخمن من تقصد ممن أخفيت من أسماء الشخصيات .. ولم أشعر بالوقت ولا بمن حولى حتى فوجئت بآذان الفجر مع آخر صفحة .. فسلاسة الأسلوب وحلاوة المعانى وجمال ” الحكاوى ” والشخصيات المتناولة والأحداث المتلاحقة والأسرار المفضوحة والتعليقات الساخرة و ” الافيهات ” المضحكة تجعل أى قارىء يعيش فى عالم آخر لا يمكن ان يتركه حتى يصل إلى آخر كلمة .. وتلك متعة القراءة التى أعدتنا إليها .. وهذا هو عالم ” محمد العزبى ” السحرى !!.

“أول الـقـصـيـدة” يصدمك العـنوان .. ” هــل يدخل الصحفيون الـجـنـة ؟! ” .. وتظل تبحث عن الاجابة بين دفتى الكتاب وان كنا جميعا ” وأولنا الأستاذ ” نؤمن بأنه لن يدخل الجنة أحـد بعمله إلا ان يتغمده الله برحمته .. ولكنه يقول.. يمكن ان يدخل بعض الكتاب والنواب والصحفيين والإعلاميين الجنة ” إذا اعتزلوا ” فالصحف والمـجـلات لا تصدر إلا فـى جهنم وبئس المصير.. والتليفزيونات أيضا !! .. ويضيف ” فاعتزلوا.. وأنا أولكم .. يرحمكم الله”!! وان كان يعود فى صفحات الكتاب ويؤكد ان الصحفى لا يعتزل وقـد حــاول ان يفعل ذلـك الأسـتـاذ محمد حسنين هيكل وأسـتـأذن فى الانـصـراف .. لكنه عاد ليكتب ويجرى حـوارات ولقاءات تليفزيونية .. وكما أقول ” ان الصحفى لو بطل يكتب.. يموت !! ” .. فالنداهه تناديه كلما قال كفاية فيعود ويمسك بالقلم ويكتب من جديد !!

.. فى مقدمته التى يبدو انها جـاءت بالصدفة ولم تكن بترتيب يتحدث عن علاقة الصحافة بالسلطة طبعا فى كل زمان وفى كل مكان بالدنيا.. ويرى انها علاقة ” إخوة أعداء ” يتربص كل منهما بالآخر.. رصاص بالكلمات وبطش بغير قانون .. ثم تتوالى فصول الكتاب الثلاثة .. الأول بعنوان صاحبة الجلالة سابقا عن نشأته وبداياته وأحوال الصحافة وهمومها وعن رؤساء التحرير زمان وكبار الكتاب وما كانوا يواجهونه ويخلص إلى انه ليس متشائماً على مستقبل المهنه ولكنه حزين ربما على حال الصحافة .. وفى الفصل الثانى حكايتة مع ” عيون بهيه ” وحواديت وأسـرار وخبايا من أكثر من 60 عاما.. والباب الثالث مجموعة مقالات كتبها تحت عنوان “حواديت مصرية ” .. وقبل أن يختم يرسم الكاريكاتير بالكلمات بعنوان ” لا أسكت الله للكاريكاتير صوتا ” وان كان فن الكاريكاتير يحتاج إلى باب منفصل ورسومات أكثر !!

يـأخـذك العزبى إلــى عـالمـه .. و يتذكر كيف بدأ كتابة ” عمود ” بعد سنوات من الشغل اللذيذ محررا فى قسم الحوادث ثم مراجعا ومندوبا ومترجما ” كعب داير” وليس مثل هذا الزمان الذى يريد فيه الصحفى المبتدئ ان يتحول إلى صاحب عمود ويكون له مقال يوميا دون أن يـدرى ان ذلك يحتاج إلى خبرة وقراءة وثقافة ورؤية والأهم ان يكون عنده ما يقدمه للقارئ .. فالأفضل ان يسأل الناس لماذا لا يكتب هذا الصحفى بدلا من أن يسألوا لماذا يكتب أو ماهذا الذى يكتبه ؟!.

يجعلك الكاتب تموت من الضحك وهو يروى كيف كان الجو فى الصحف فى بداية الستينيات من القرن الماضى حيث جاء رئيس لمؤسسة بالصول المراسلة ليكون مديرا لمكتبه وهذا ” المراسلة ” يطوف ردهات الصحيفة بـين المـحـرريـن ويـقـول ” الـواحـد ماكانش عـــارف ان الصحافة سهلة للدرجة دي ” !!.

ولأن العزبى رومانسى ومحب للجمال ولا يحب أفلام العنف والجريمة وإنما تستهويه روايات الحب والغرام والبكاء على الأطلال.. ففى كل مايكتبه لا تجد إلا النقد العفيف ولا يجرح أحدا حتى هذا ” المراسلة ” و رئيسه يقول عنهما ” اذكروا محاسن موتانا “.. كما ترى فى الكتاب الوفاء للزملاء والأصدقاء والعديد من المقالات التى كتبها فى رثاء رفقاء المشوار الذين فارقوا الحياة أمثال جمال الغيطانى وعبدالرحمن الأبنودى ومحمد وجدى قنديل وصلاح عيسى ورياض سيف النصر وغيرهم .

.. و بمناسبة أيام الصقيع والبرد الشديد التى نعيشها الآن فله عنوان ” الكتابة من تحت البطانية ” حيث يحبسه البرد فى السرير ويقول: ” زهقت من البطانية ومن الكتابة “.. وكـان ذلك عام 2015 ولا أدرى مـاذا كان سيقول عن برد هذه الأيام الذى لا يريد ان يفارقنا منذ أكثر من شهر.. لكنه ينتظر عودة الربيع الذى يعود دائما فى موعده !!

.. ولأنه مهموم بأمته العربية فهو يتعجب من الصمت المريب لما يحدث فى العديد من دولنا وخاصة فى سوريا .. وياويل خريطة أمتنا التى تمزقت .. حتى الكلام لم نعد ننطقه .. فهو يتحسر على حال العرب و صمتهم ويقول انهم اذا كانوا يعتبرون المشكلة فى الصحف فهل يمكن أن يحيا الانسان بدونها .. خاصة ان الصمت أصبح مستحيلا مع وسائل الاتصال الحديثة التى لا تكف عن الثرثرة ؟! .

.. ومن عناوينه التى تشدك بل وتستفزك لتقرأ ما تحتها البحث عن كتاب .. حكايات سبتمبر.. خلينا نتسلي .. لا أحــد يقرأ فـى العيد .. شكراً يـا دولـة العواجيز .. وحكم وأفـــلام .. تشابه أسماء الطبيب والجلاد .. ونسيناهم وسط الزحام عن نواب البرلمان أمثال علوى حافظ وممتاز نصار وحلمى مراد ومحمود القاضى وأبوالعز الحريرى وغيرهم .. ومن عناوينة المهمه ” كل سنة وكلنا حبايب ” عن الوحدة الوطنية !!

.. حتى الحيوانات كان لها حظوظ عند ” العزبي” فكتب حكاية الزرافة التى أهداها محمد على باشا لملك فرنسا عام 1826.. وعن الكلب له 70 اسما وحكايات أبوالعلاء المعري !! .

.. أما عن السجن والمعتقل الذى ذاق مرارته هو وشقيقه المرحوم الكاتب الصحفى والصديق الغالى أحمد العزبي .. فان هذه التجربة تحتل مساحة من الكتاب خاصة انه التقى فيها بالعديد من الكتاب والأدباء والصحفيين .. ولذلك يصف أيـام السجن بأنها جميلة حيث اجتمعت به صحبة من المبدعين !! .

الفن أيضا لـه نصيب.. ويـقـول لـن يوقف أحد جنون الفن فهو نبض القلب .. وبعد فيلم “الممر” كتب عن أقـلام على خط النار ليذكر أسماء المراسلين العسكريين وان كان قد سقط منهم “ربما سهوا” اسم المرحوم الأستاذ الكبير أحمد عبدالقادر مراسل جريدة الجمهورية فى حـرب أكتوبر المجيدة وأحـد الذين كرمتهم الدولة لــدوره فى تغطية أحداثها كما كرمته نقابة الصحفيين مع باقى الزملاء الآخرين .

.. وكتب الأستاذ أيضا عن نجوم فى سماء الكعبة يتحدث عن حج الفنانين والفنانات .

حسن الختام فى الكتاب .. ” يا خوفى من العتمة .. ويا خوفى من النسيان ” .. يقول يقترب منى المـوت .. منا جميعا.. فنفكر فى القبر قبل البيت .. وهنا يتحدث عـن سماسرة المــدافــن .. ويتندر على إعـلانـات عن مقابر ولكن بحق الانتفاع .. ويتخيل ماذا سيفعل ابنه بجثمانه بعد انتهاء حق الانتفاع ؟! .. اما النسيان فيتمنى لو ينسى الدنيا بما فيها مثل عمر الشريف الذى أصيب بـ” ألزهايمر” حتى انه لم يعد يتذكر زوجته السابقة فاتن حمامة ويحسب ان ابنه طارق هو شقيقه .. يقول أحزن على كل من أصابه داء النسيان ولو انه لا يحزن على نفسه.. وأحزن بعد قراءة الصحف !!

يعتقد العزبى ان القراء يكونون فى سعادة عندما لا ينشر الصحفى مقاله وكأنهم تخلصوا من حمل ثقيل ويقول ” يعتذر الكاتب – وعادة يسبقها الاستاذ الكبير فلان الفلانى – يعتذر عن عدم الكتابة حتى موعد آخر .. هكذا تدخل البهجة قلوب القراء ” .. صحيح يا أستاذ قد يرتاح الناس من المقالات ” أم دم تقيل ” التى لا تقدم فكراً .. ولكن عندما يغيب مقال محمد العزبى أو يعتذر أو يعتذرون له ويحجبون ما يكتبه .. فان قُراءة ” وأنا أولهم ” نفقد الكثير ونحزن ونظل ننتظر إلى أن يأتى موعد مقاله الجديد المسموح بنشره!!.

أجمل ما قاله الأستاذ العزبى وأنصف به الصحفيين : ” سنخرج من دنيا الصحافة عرايا مثلما دخلناها أول مــرة .. نقول الحق والــرزق على الله .. تصبح دعوة الإعلامى مستجابة باذن الله إلا إذا.. !! .. ربما تجد فـى هـذه الكلمات اجـابـة على سـؤال عنوان الكتاب ” هل يدخل الصحفيون الجنة ؟! ” .. ادعو للاستاذ ولنا بحسن الخاتمة ودخول الجنة !!.

اقراء المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد مرة أخرى

Copyright © All rights reserved.