21 سبتمبر، 2024 - 5:02 م

زيارة بلينكن إلى رام الله وتل أبيب.. هل تحدث تقاربا بين فلسطين واسرائيل ؟!

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن

وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن

هل حركت المباحثات التى أجراها وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، مع كل من الرئيس الفلسطينى محمود عباس ( أبو مازن )، ورئيس الوزراء الإسرائيلى نفتالى بينيت، الركود والجمود وحالة مراوحة المكان التى تعيشها القضية الفلسطينية؟ وهل أحدثت تقاربا بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، على نحو يفضى إلى إمكانية استئناف عملية سلام، نشطة وجادة وحقيقية؟ وهل من شأن هذه المباحثات، أن تحول دون استعادة أوضاع التأزم التى سادت الأراضى المحتلة، خلال شهر رمضان الماضى، التى شهدت تفاقما فى عدوانية الدولة القائمة بالاحتلال، من خلال القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق ضد قطاع غزة؟ أسفرت عن خسائر بشرية ومادية بالغة الضخامة، لم تتوقف إلا بعد تحرك مصرى اتسم بالفاعلية أدى إلى توقفها، والدخول فى عملية تهدئة ما زالت مستمرة .

اللافت للنظر أن المباحثات لامست هذه المحاور، وحاول بلينكن فى تصريحاته، التى أعقبت اللقاء مع كل من أبو مازن وبينيت، أن يعطى إشارات إلى ما يمكن وصفه بالاهتمام الأمريكى بالأوضاع فى الأراضى المحتلة، لكن دون أن يحدد مسارات عملية واضحة القسمات، أو يضع جدولا زمنيا لإمكانية التحرك النشط، نحو التفاوض بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، وفى الآن ذاته الإعراب عن التطلع، لوقف أى تصعيد أو اشتعال فى الموقف على حد تعبيره، من غير أن يبدى صرامة، خصوصا تجاه القوة القائمة بالاحتلال، التى لم تتوقف ممارساتها العدوانية وانتهاكاتها، ضد الفلسطينيين فى القدس المحتلة والمسجد الأقصى وفى الضفة الغربية، طبعا مع استمرار حصارها على قطاع غزة.

ويمكن إجمال الطروحات، التى ركز عليها بلينكن خلال زياراتيه، لكل من رام الله وإسرائيل، على النحو التالى:

أولا: ضرورة وقف إسرائيل جميع الأعمال التى من شأنها «إشعال المنطقة»، بما فيها «بناء المستوطنات وعنف المستوطنين، وهدم منازل عائلات المدانين بهجمات وترحيل العائلات وغير ذلك، وفى هذا السياق فإنه – أى بلينكن – تحدث مع كل من الرئيس الفلسطينى، ورئيس وزراء الدولة القائمة بالاحتلال حول أهمية عدم القيام بأية أعمال عنف، فى جميع أنحاء إسرائيل وغزة والضفة الغربية، خاصة القدس المحتلة.

ثانيا: إن واشنطن ملتزمة تجاه الفلسطينيين أيضا، وربما جاء ذلك على سبيل التطمين لأبو مازن، خصوصا أنه جدد لـ «بينيت» التزام بلاده المطلق بأمن إسرائيل وحسب تعبيره هو فإن الفلسطينيين والإسرائيليين يستحقون المستوى نفسه من الحرية والأمن والاحترام.

ثالثا: التأكيد على حرص الإدارة الأمريكية، لإحداث تقارب بين الجانبين، من خلال محاولات تشجيعها لرؤية الوزراء الإسرائيليين يجتمعون مع القادة الفلسطينيين، لكنه لم يحث «بينيت» على مقابلة الرئيس الفلسطينى، والذى ما زال يرفض مثل هذا اللقاء، بينما يسمح لوزير الدفاع «بينى جانتس» بلقائه، مثلما حدث قبل بضعة أشهر، ويتطلع لرغبة بلاده فى قيام حكومة الدولة القائمة بالاحتلال، بالقيام بالمزيد من الخطوات مثل تصاريح العمل الممنوحة لحوالى 20 ألف عامل فلسطينى فى إسرائيل.

رابعا: إن الإدارة الأمريكية ترغب فى إقامة علاقات مع الشعب الفلسطينى وقيادته، وقد عملت فى هذا الشأن على زيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، بأكثر من نصف مليار دولار منذ إبريل من العام الماضى، كما ركزت جهدها وأعمالها خلال الفترة الأخيرة، على إيجاد سبل ملموسة لتحسين جودة ونوعية الحياة للفلسطينيين، ويشمل ذلك أيضا إعادة الانضمام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فضلا عن تقديم الدعم المالى والاقتصادى للقطاع الخاص والأعمال الصغيرة، وتقديم الدعم للأسر الفقيرة فى الضفة الغربية والقطاع، مع التركيز على الحقوق المدنية للفلسطينيين وحقوق الإنسان، وأيضا دعم المجتمع المدني، الذى اجتمع بلينكن مع بعض قادته فى القدس المحتلة، باعتبارهم جزءا أساسيا من النسيج الاجتماعى الفلسطينى .

خامسا: تجديد تمسك واشنطن بحل الدولتين كخيار لحل القضية الفلسطينية، ولكنه لم يشأ فى المؤتمر الصحفى أن يعكر صفو بينيت عقب مباحثاته معه، بهذه المسألة التى مر عليها مرور الكرام، بل جعلها متزامنة بالإعلان عن التزام الولايات المتحدة بأمن الدولة القائمة بالاحتلال، فى ظل التحالف الإستراتيجي، الذى يربطهما منذ سنوات، والذى يجعلها على الدوام، أكثر تفوقا من الناحية العسكرية والتسليحية من جيرانها العرب بمراحل، بدليل أن ما تقدمه لحلفائها العرب من أسلحة، يتسم بطبيعة دفاعية وأقل من الناحية التكنولوجية، فى حين ما يحصل عليه الحليف الإسرائيلى ذو طبيعة هجومية، ويتساوى مع ما لدى الجيش الأمريكى.

ما يمكن بلورته من خلاصات من مباحثات وزير الخارجية الأمريكى، مع طرفى الصراع فى الأراضى المحتلة، هو أن ما تحدث به لم يخرج عما يمكن وصفه، بحملة العلاقات العامة، التى بات يتسم بها أداء الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن ولا يختلف كثيرا، عما طرحه فى جولته الأولى فى المنطقة، فى شهر مايو من العام الماضى، عقب العدوان الإسرائيلى على غزة، والذى ركزت على أغلب هذه العناوين، من قبيل حل الدولتين ومساعدة الفلسطينيين، بيد أن عنوانها الأول تجلى فى العمل على توفير بيئة حاضنة للتهدئة فى ذلك الوقت، حماية لأمن الدولة القائمة بالاحتلال بالدرجة الأولى، دون أن يكون هناك حرص حقيقى وجاد بمطالب الفلسطينيين، التى يقومون بإثارتها مع الإدارة الأمريكية، وتتمثل حسبما أكده الرئيس الفلسطينى أبو مازن خلال اللقاء الأخير مع بلينكن، فى «أن الأولوية دائما يجب أن تكون لحل سياسى، ينهى الاحتلال الإسرائيلى لأرض دولة فلسطين على حدود 1967 بعاصمتها القدس الشرقية، وحل جميع قضايا الوضع الدائم بما فيها قضية اللاجئين، وإطلاق سراح جميع الأسرى، وذلك تحت رعاية الرباعية الدولية ووفق قرارات الشرعية الدولية»، والتأكيد على أهمية تطبيق ما تؤمن به إدارة الرئيس بايدن، بالتزامها بحل الدولتين ووقف الاستيطان وعنف المستوطنين، والحفاظ على الوضع التاريخى فى الأقصى، ومنع الأعمال أحادية الجانب، وكذلك إعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس، وإلغاء القوانين الأمريكية التى تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية إرهابية وتشجع التحريض».

ولم يرصد المراقبون تعليقا من بلينكن على هذه المطالب الواضحة، التى تتسق مع محددات القانون الدولى، بل إن جل ما أبداه هو تصريحات اتسمت بالعموم وعناوين عريضة، دون أن تصل إلى مستوى المواقف التى عبر عنها السفير الأمريكى لدى إسرائيل «توم نايدس»، والتى حددها أمام مؤتمر حركة «سلام الآن» الإسرائيلية، قبل أيام والتى وصف الاستيطان فى الأراضى المحتلة، بأنه سياسة غبية تعرقل التسوية السياسية ضمن حل الدولتين، وإن أشار إلى عدم قدرة بلاده على وقف بناء أى مستوطنة، ولكنه أكد: لا نستطيع أن نسمح باستمرار أمور غبية، وأن ثمة ضرورة حيوية لمنع إقامة مشاريع استيطان ضخمة، مثل مشروع (آى – 1)، الذى يرمى إلى تطويق البلدات الفلسطينية المحيطة بالقدس، ومنع تحويل القدس الشرقية إلى عاصمة للدولة الفلسطينية العتيدة، ويرمى إلى قطع التواصل الجغرافى للدولة الفلسطينية ويمنع بذلك حل الدوليتن، معبرا عن شعوره بالغضب لأن هذه المشاريع الاستيطانية، تشعل الأرض، لافتا النظر إلى أنه حارب مشروع بناء 3500 وحدة سكنية فى مستوطنة «معالية أدوميم».

جنوب القدس المحتلة، والذى وصفه بأنه مشروع مأساوى، لأنه يعنى شطب فرصة تحويل القدس المحتلة عاصمة للدولة الفلسطينية، ويعقب: أجل عاصمة، أنا بالطبع أعترف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، ولكن الولايات المتحدة فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، حرصت على أن يكون الوضع النهائى لمدينة القدس، هو أنها تحوى عاصمتين لدولتين.

وعندما سئل السفير الأمريكى، حول عدم إدارة بايدن بتنفيذ تعهداتها، بإعادة فتح القنصلية الأمريكية فى القدس، لخدمة الفلسطينيين، علق بقوله: إن هذه الإدارة ترغب فى إعادة فتحها، وترى أن قرار الرئيس ترامب بإغلاقها كان خاطئا، لكن إسرائيل تعارض ذلك بشراسة، والفلسطينيون يطالبون به بحدة، وكلاهما يبالغان فى إعطاء الموضوع أكبر من حجمه.

وفيما يتعلق بما إذا كانت ثمة مقاربة لبلاده لتحريك عملية السلام بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى، كان السفير الأمريكى صريحا فى إعرابه عن الأسف، لأن الظروف الحالية لا تتيح للإدارة الأمريكية، عمل شىء لتحريك المفاوضات بين الطرفين، حتى نصف السنة المقبلة أى 2023، وقال، سأكذب إن قلت إن لدينا خطة سلام يمكننا أن نبدأ بها، فإن سألتمونى عن إمكانية القيام بعمل ما لتحريكها فى المستقبل، أجيب: ممكن ولكن همى اليوم، هو الحفاظ على شروط تمكن مستقبلا من العودة إلى مفاوضات على أساس حل الدولتين، لأن البديل عن ذلك هو حل الدولة الواحدة، وهذه كارثة للجميع.

إن تصريحات بلينكن وسفير بلاده لدى إسرائيل، تؤكد بوضوح أن ثمة مقاربة أمريكية، لكنها تتركز فى المرحلة الراهنة على التصدى لتداعيات حرب أوكرانيا، ومواجهة روسيا والصين وإيران بدرجة أقل، أما العرب أو بالأحرى الفلسطينيون، فلا مانع من تقديم بعض التطمينات الكلامية والاكتفاء بالظاهرة الصوتية، أما الفعل والدعم والإسناد، فهو لحماية أمن الدولة القائمة بالاحتلال.

 

اقراء المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد مرة أخرى

Copyright © All rights reserved.