22 سبتمبر، 2024 - 9:23 ص

لغتنا فى خطر !!

 

                              كلام بحب

                       بقلم …. فهمي عنبة

لم تحظ لغة فى العالم باهمال وتجاهل من أهلها ، بقدر ما تتعرض له اللغة العربية رغم أنها ترتبط بالهوية والثقافة وتكامل الشعوب من المحيط إلى الخليج .

العجيب إنه بينما يخجل البعض فى عالمنا العربى من التحدث بلغتهم ويفضلون الكلام بالإنجليزية أو الفرنسية ، فإن الأمم المتحدة تعترف بها ضمن اللغات الرسمية المعتمدة وتخصص 18 ديسمبر من كل عام يوماً للاحتفال بها.. كما يتهافت الأجانب على دراستها وتعلمها وأصبحت أكبر جامعات العالم تخصص أقساماً بكلياتها لدراسة اللغة العربية وآدابها .

الأعجب من ذلـك ان العديد من الأسـر فى بـلادنـا العربية يختارون لأبنائهم تعلم اللغات الأجنبية ويتفاخرون بهم ولا يهتمون بإجادتهم للغة الأم .. مما يهدد بوجود أجيال فى المستقبل تعيش على الأرض العربية ويحملون جنسيات الدول العربية لكنهم لا يتحدثون بالعربية !!

تنتشر مجامع اللغة فى معظم الدول العربية ورغم مجهوداتها.. إلا أنها للأسف لم تصل إلى رجل الشارع الذى يشعر أن أعضاء هذه المجامع يعيشون فى برجهم العالى ولا علاقة لهم بالواقع .. مما يلقى عليهم عبأ لتوحيد جهودهم وتصدير لغة سليمة بسيطة يفهمها ويتعامل بها كل مـواطـن .. بحيث لا تكون مفرداتها تناسب علماء النحو والصرف فقط .. ولا هى «ركيكة» كالتى يتحدث بها من يتكلمون بلغات عامية «هابطة».

اللغة هى التى توحد المجتمعات والشعوب لذلك فعلى الجاُمعة العربية إصدار توصياتها للحكومات لإعلاء شأن «الفُصحي» فليس من المعقول أن تكون أكثر المكاتبات فى دولنا بلغات أجنبية وكذلك كل فواتير الفنادق وتذاكر الطيران وعقود الشركات والإعـلانـات وأغلب أسماء المحلات .. وإذا كان ولابـد من أجل السياحة والتعامل مع الشركات متعددة الجنسيات .. فلابد من التعامل بالعربية إلى جانب اللغة الأجنبية إلى حين أن نفرض على من يأتى إلى بلادنا عليه هو أن يتعلم لغتنا ولسنا نحن الذين نتعلم لغته !!

نرى ان العرب أضاعوا فرصة تاريخية بما وهبهم الله من ثروات وامكانيات كان يمكنهم أن يفرضوا ثقافتهم ولغتهم على ًمن يحضر للعمل عندهم حيث لا يمكن مثلا أن يذهب المواطن الخليجى إلى سوق فى بلده فيجد ان البائع لا يحدثه بلغته !!

بالطبع على أجهزة الإعـــلام من صحافة وإذاعة وتلفزيون أن تساهم فى الحفاظ على «الُفصحي».. وعلى المدارس والمعلمين والمساجد والأزهر والأئمة الاهتمام أكثر بلغة القرآن .. وعلى وزارة الثقافة تشجيع النشء والشباب على القراءة وافتتاح مكتبات فى كل مكان .

إذا كانت الأجيال الجديدة تبتعد عن القراءة وتهتم بوسائل التواصل الاجتماعى فمطلوب أن نتعامل معهم بلغة العصر لجذبهم إلى اللغة العربية عن طريق تضافر كل الجهود لإنتاج محتوى عربى على الإنترنت بلغة رصينة وسهلة وبسيطة خـاصـة ولدينا المؤسسات والـشـركـات التى يمكنها القيام بذلك تحت إشراف الجامعة العربية «بيت العرب» وبالاستعانة بالمبرمجين الـعـرب وهـنـاك المـئـات منهم ينتشرون فى الشركات الدولية ويتمتعون بالموهبة والابـتـكـار وقــــادرون على إنتاج محتوى وبـرامـج ألعاب إلكترونية باللغة العربية .

لا أدرى هل يمكن توحيد منهج تدريس اللغة العربية فى كل دولنا يشارك فى وضعه رؤساء أقسام اللغة بكليات الآداب العربية حتى نتوصل الى لغة يفهمها كل مواطن فى ال ٢٢ دولة عربية ولا يجد صعوبة فى التعامل بها مع أبناء الدول الأخرى الشقيقة ؟!

بالطبع لسنا ضد الحداثة ولا فتح مدارس وجامعات أجنبية ودولية فى بلادنا ولكن التحدى الأكبر هو الاستفادة من خبراتهم وتعليم أطفالنا وشبابنا كل جديد فى العالم وفــى نفس الـوقـت الـحـفـاظ على هويتنا وثقافتنا وعاداتنا وتقاليدنا ولغتنا وذلك يحتاج إلى تخطيط جيد ومراقبة المناهج التى يدرسها أولادنـــا وفــرض تعليم اللغة العربية فى هـذه المـــدارس والجامعات كما يحدث فى كل دول العالم فلا توجد امه تقوم بتسليم عقول وألسنة أولادها لأجانب بزعم حصولهم على تعليم جيد !!

لـلأسـف .. كـل القواعد ُتنتهك على المـلأ .. ولـــم يعد أغـلـب المتحدثين فــى البرامج التفزيونية يفرقون بين الرفوع و المنصوب والمجرور .. وحتى تمييز العدد لا يُراعى فى نشرات الأخبار الرسمية .. فكثيراً ما نشاهد فى الإعلانات أو نسمع المذيعة تقول بالخطأ ” مائة أو ألف أو مليون جنيهاً ” بدلاً من ” جنية ” أو يذكر المذيع على خلاف القواعد النحوية ان الثمن ” ٥٠ جنية ” مع انها يجب ان تكون ” ٥٠ جنيهاً ” لدرجة انها أصبحت من الأخطاء الشائعة عند قراءة أو كتابة أنواع التمييز المختلفة .. وخطورة ذلك ان الأطفال والشباب يشاهدون ويقرأون ويتعلمون الخطأ .. والأخطر ان صحفاً ومجلات عريقة تخطىء فى قواعد اللغة والنحو البسيطة .. طبعاً لا نتحدث عن الأخطاء المطبعية المتعارف عليها ولكنها أخطاء إملائية من المفترض الا يقع فيها تلاميذ المدارس!!.

بالتأكيد .. سنسمع ونقرأ هـذه الأيــام عن اجتماعات ومؤتمرات ونـــدوات للاحتفال باللغة العربية فى بلادنا من المحيط إلى الخليج وهو ما يحدث كل سنة منذ عام 1973 عندما اعتمدت الأمـُم المتحدة 18 ديسمبر يوماً للغة العربية .. وفى هذا اليوم يُقال الكثير عن جمالها وانها لغة الضاد و سيذكرون ما قاله فيها شاعر النيل حافظ إبراهيم « أنا البحر فى أحشائه الدُر كامن .. فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي ».. ولكن للأسف ينفض المـولـد كـل عــام دون وضع خارطة طريق للحفاظ على اللغة من الضياع وحماية أجيالنا من التغريب .. وذلك لعدم وجود رغبة صادقة وإرادة جماعية من جميع الدول العربية بلا استثناء !!

لنأخذ مـن الـــدول المتقدمة التكنولوجيا والـعـلـم .. ولـكـن لنقم بترجمة كـل ذلك ليتوافق مع قيمنا وليكون بلغتنا !!

لا يمكن أن يكون ما يعرفه العالم عن العرب أنها أمة لا تقرأ .. والأصعب إنه قريباً سيقولون ان العرب أمة لا تتحدث بلغتها !!

اقراء المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد مرة أخرى

Copyright © All rights reserved.